[center][b]بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسولنا الأمين وعلى آله وأصحابه الطاهرين وبعد:
اشْتَرَطَ الْفُقَهَاءُ فِي الْوَاهِبِ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْل التَّبَرُّعِ, وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ عَاقِلاً بَالِغًا رَشِيدًا، وَأَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِلشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ, ولم يشترطوا الإسلام لصحة التبرع.
وعليه يجوز للمسلم قبول التبرعات الوافدة من الكفار والمشركين واستعمالها في بناء المساجد أو ترميمها ونحو ذلك.
بشرط ألا يترتب على ذلك تدخل ما في شئون المسلمين أو عبادتهم، أو يترتب على ذلك ضرر للمسلمين. [ يسألونك في الدين والحياة – للشرباصي 4/17 ].
جاء في متن تنوير الأبصار المطبوع ضمن حاشيته الدر المختار مع الرد المحتار(24/9):"وَشَرَائِطُ صِحَّتِهَا فِي الْوَاهِبِ الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْمِلْكُ".
{انظر: الرد المحتار(24/9)}.
وجاء في مختصر خليل (ص214):"الهبة: تمليك بلا عوض, ولثواب الآخرة صدقة, وصحت في كل مملوك ينقل ممن له تبرع بها وإن مجهولا".
وجاء في كفاية الأخيار(2/225):"ويجوز للمسلم والذمي الوصية لعمارة المسجد الأقصى وغيره من المساجد وكذا لعمارة قبور".
قال النووي في المجموع(15/410):"فأما الكافر فوصيته جائزة ذميا كان أو حربيا إذا أوصى بمثل ما يوصى به المسلم".
جاء في الفروع لابن مفلح الحنبلي(11/478):"وَتَجُوزُ عِمَارَةُ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكِسْوَتُهُ وَإِشْعَالُهُ بِمَالِ كُلِّ كَافِرٍ، وَأَنْ يَبْنِيَهُ بِيَدِهِ، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِي وَقْفِهِ عَلَيْهِ وَوَصِيَّتِهِ لَهُ".
وقد استدل الجمهور على جواز تبرع الكافر للمسجد بالتالي:
أولا- قبول النبي صلى الله عليه وسلم للهدايا التي تهدى إليه من الكفار كما هو ثابت في الصحيحين. جاء في مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج(10/195):"وَقَبِلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدِيَّةَ الْمُقَوْقَسِ الْكَافِرِ وَتَسَرَّى مِنْ جُمْلَتِهَا بِمَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةِ وَأَوْلَدَهَا".
وقد بوب البخاري في صحيحه (باب قبول الهدية من المشركين) وساق فيه أحاديث منها:
1- ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه أن يهودية أتت النبي صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها، فجيء بها فقيل: ألا نقتلها؟ قال:"لا". فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم.{رواه البخاري}.
2- قال أنس رضي الله عنه: أهدي للنبي صلى الله عليه وسلم جبة سندس وكان ينهى عن الحرير، فعجب الناس منها، فقال:"والذي نفس محمد بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا". قال أنس: إن أكيدر دومة أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم.{رواه البخاري}. وقال أبو حميد: أهدى ملك أيلة للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء وكساه بردا وكتب له ببحرهم.{رواه البخاري}.
ثانيا- قبول الهبة من الكافر من حسن الخلق والمعاملة بالبر والإحسان الذي دلت عليه الآية:"لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ"[الممتحنة:8]، فالآية وإن كانت في إحسان المسلمين إلى الكفار نصاً فإنها دالة على قبول المسلم لتبرع الكافر.
ثالثا- أخذ الهبة المالية من الكافر تقليل للفجور في الأرض؛ لأن الكافر لا يتورع عن استعمال ماله في حرام.
والله تعالى أعلم