حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها
أن الحارث بن هشام رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله كيف يأتيك الوحي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول قالت عائشة رضي الله عنها ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا
قوله : ( حدثنا عبد الله بن يوسف )
هو التنيسي , كان نزل تنيس من عمل مصر , وأصله دمشقي , وهو من أتقن الناس في الموطأ , كذا وصفه يحيى بن معين .
قوله : ( أم المؤمنين )
هو مأخوذ من قوله تعالى ( وأزواجه أمهاتهم ) أي : في الاحترام وتحريم نكاحهن لا في غير ذلك مما اختلف فيه على الراجح , وإنما قيل للواحدة منهن أم المؤمنين للتغليب , وإلا فلا مانع من أن يقال لها أم المؤمنات على الراجح .
قوله : ( أن الحارث بن هشام )
هو المخزومي , أخو أبي جهل شقيقه , أسلم يوم الفتح , وكان من فضلاء الصحابة , واستشهد في فتوح الشام .
قوله ( سأل )
هكذا رواه أكثر الرواة عن هشام بن عروة , فيحتمل أن تكون عائشة حضرت ذلك , وعلى هذا اعتمد أصحاب الأطراف فأخرجوه في مسند عائشة . ويحتمل أن يكون الحارث أخبرها بذلك بعد فيكون من مرسل الصحابة , وهو محكوم بوصله عند الجمهور . وقد جاء ما يؤيد الثاني , ففي مسند أحمد ومعجم البغوي وغيرهما من طريق عامر بن صالح النويري عن هشام عن أبيه عن عائشة عن الحارث بن هشام قال : سألت . وعامر فيه ضعف , لكن وجدت له متابعا عند ابن منده , والمشهور الأول .
قوله : ( كيف يأتيك الوحي )
يحتمل أن يكون المسئول عنه صفة الوحي نفسه , ويحتمل أن يكون صفة حامله أو ما هو أعم من ذلك , وعلى كل تقدير فإسناد الإتيان إلى الوحي مجاز ; لأن الإتيان حقيقة من وصف حامله . واعترض الإسماعيلي فقال : هذا الحديث لا يصلح لهذه الترجمة , وإنما المناسب لكيفية بدء الوحي الحديث الذي بعده , وأما هذا فهو لكيفية إتيان الوحي لا لبدء الوحي ا ه . قال الكرماني : لعل المراد منه السؤال عن كيفية ابتداء الوحي , أو عن كيفية ظهور الوحي , فيوافق ترجمة الباب . قلت : سياقه يشعر بخلاف ذلك لإتيانه بصيغة المستقبل دون الماضي , لكن يمكن أن يقال : إن المناسبة تظهر من الجواب ; لأن فيه إشارة إلى انحصار صفة الوحي أو صفة حامله في الأمرين فيشمل حالة الابتداء , وأيضا فلا أثر للتقديم والتأخير هنا ولو لم تظهر المناسبة , فضلا عن أنا قدمنا أنه أراد البداءة بالتحديث عن إمامي الحجاز فبدأ بمكة ثم ثنى بالمدينة . وأيضا فلا يلزم أن تتعلق جميع أحاديث الباب ببدء الوحي , بل يكفي أن يتعلق بذلك وبما يتعلق به وبما يتعلق بالآية أيضا , وذلك أن أحاديث الباب تتعلق بلفظ الترجمة وبما اشتملت عليه , ولما كان في الآية أن الوحي إليه نظير الوحي إلى الأنبياء قبله ناسب تقديم ما يتعلق بها وهو صفة الوحي وصفة حامله إشارة إلى أن الوحي إلى الأنبياء لا تباين فيه , فحسن إيراد هذا الحديث عقب حديث الأعمال الذي تقدم التقدير بأن تعلقه بالآية الكريمة أقوى تعلق , والله سبحانه وتعالى أعلم .