[center]الجزء (14) : مرحلة الجهاد
لقد ترك المسلمون مكة كلها للكفار، وهاجروا إلى المدينة، ولكن الصراع بينهما لم ينته، بل زاد عما كان عليه في مكة، واتخذ شكلا جديدًا، بعد أن نزل الإذن من الله بقتال المشركين، قال تعالى: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير . الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرًا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز . الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور} [الحج: 39-41].
وقد أصبح المسلمون في المدينة قوة كبيرة بانضمام الأنصار إليهم، فلماذا لا يستردون حقوقهم المسلوبة؟ وخاصة أن المدينة تقع على الطريق بين مكة والشام حيث تمر قوافل أهل مكة التجارية، لذلك قرر رسول الله صلى الله عليه وسلم إرسال سرايا من جيش المسلمين يزعجون قريشًا ويستطلعون أخبارها، ومن هذه السرايا:
سرية سيف البحر:
في شهر رمضان من السنة الأولى للهجرة خرج حمزة بن عبد المطلب ومعه ثلاثون من المهاجرين لاعتراض قافلة لقريش قادمة من الشام يقودها أبو جهل في ثلاثمائة رجل، ولكن رجلا اسمه مجدي بن عمرو صَالَحَ بين الفريقين، ولم يحدث قتال، وعرف الكفار منذ ذلك الوقت أن المسلمين مستعدون لمواجهتهم.
سرية رابغ:
وفي شهر شوال من السنة نفسها خرج عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب ومعه ستون رجلا من المهاجرين، واعترضوا قافلة بقيادة أبي سفيان، وكان بينهما رمي بالنبال، ولكن لم يقع قتال.
سرية الخرار:
كانت في شهر ذي القعدة من السنة الأولى، وفيها خرج سعد بن أبي وقاص ومعه عشرون مسلمًا، ولكنهم لم يعثروا على القافلة التي خرجوا من
أجلها، وهكذا تحول المسلمون من الضعف إلى القوة، وأصبحوا مصدرًا لرعب الكفار.
غزوة الأبواء (ودان):
وفي العام الثاني من الهجرة واصل الرسول صلى الله عليه وسلم إرسال السرايا لمعرفة أخبار أهل مكة، وليدرب المسلمين على مواجهة قريش، وكان صلى الله عليه وسلم يشارك في بعض هذه الأعمال العسكرية، ومن الغزوات التي شارك فيها غزوة الأبواء (ودان)، وفيها خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه مع سبعين من المهاجرين في شهر صفر لاعتراض قافلة لقريش، لكنه لم يلتقِ بها فعقد معاهدة مع بني ضمرة أمَّنَهُم على أنفسهم، ووعدوه ألا يحاربوه ولا يعينوا عليه أعداءه، وأن يقفوا إلى جانبه إذا دعاهم لذلك، وهكذا كان صلى الله عليه وسلم لا يترك صغيرة أو كبيرة يؤمِّن بها دولته، ويقوِّي علاقتها بجيرانها إلا فعلها.
غزوة بواط:
وفيها خرج النبي صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول من السنة الثانية، ومعه مائتان من الصحابة؛ لاعتراض قافلة لقريش يقودها أمية بن خلف لكنه لم يلحق بها.
غزوة بدر الأولى:
وسببها أن رجلا اسمه كرز بن جابر الفهري اعتدى هو وبعض المشركين على مراعي المدينة ومواشيها، فطارده الرسول صلى الله عليه وسلم وبعض المسلمين ولكنه فرَّ هاربًا، وقد وقعت هذه الغزوة قريبًا من بئر بدر ولذلك سميت بدر الأولى.
غزوة العُشَيرة:
وقد حاول فيها الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه اعتراض قافلة لقريش ذاهبة من مكة إلى الشام، ولكنه لم يدركها، فعقد رسول الله صلى الله عليه وسلم معاهدة مع بني مدلج حلفاء بني ضمرة.
سرية نخلة:
خرج فيها عبد الله بن جحش الأسدي مع ثمانية مهاجرين، وأمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعسكروا بين مكة والطائف في مكان يسمى نخلة فمرت قافلة لقريش في آخر يوم من شهر الله الحرام رجب، فهاجمها عبد الله
ومن معه، فقتل من المشركين عمرو بن الحضرمي، وأسروا عثمان بن عبدالله بن المغيرة، والحكم بن كيسان، وفر نوفل بن عبد الله.
وعادت السرية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنكر عليهم القتال في شهر الله الحرام، واشتد غضب المشركين، وقالوا: إن محمدًا قد أحل القتال في الأشهر الحرم، فاشتد ذلك على المسلمين؛ فأنزل الله -عز وجل- قوله: {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل} [_البقرة: 217].
فهؤلاء المشركون الذين ينكرون على المسلمين القتال في الأشهر الحرم، قد فعلوا أكبر من ذلك، حين أشركوا بالله، وأخرجوا المؤمنين من ديارهم، وحرموهم من أموالهم وأولادهم وهذا أكبر عند الله -عز وجل- في الإثم والعقوبة.